
من علامة النجاح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات
إن من لا أول له لا آخر له، من هنا كان من علامة الخسران في النهايات الرجوع إلى النفس في البدايات، فالطالب إذا تكاسل في وقت الطلب ولم يبذل نفسه ووقته وجهده في التحصيل، فاته خير كثير، وتقدمت به السن جاهلاً عاجزاً عن الطلب لأن همته تفتر وقواه تضعف، ونفسه تميل إلى الراحة، فيعيش إنساناً خاملاً لا تأثير له، همته منحصرة في تحصيل الماديات وملء وقته باللهو يعيش على هامش الحياة، أما من رجع إلى الله في البدايات وطلب عونه وعلم أن الدنيا دار عمل فعمل عملاً ينفعه في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى همه كل همه رضى الله وطلب عونه في إقامة العدل ومنع الظلم، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الإيمان بالله، وذلك لا يكون إلا بطلب العلم الضروري الذي يصحح العقيدة والعبادة والمعاملة لأن المسلم لا يعيش وحده بل مع الناس فيجب عليه أن يكون داعياً بسلوكه وهديه قبل أن يدعو بلسانه، وهذا يتطلب منه:
إن من علت همته عن الأكوان، وصل إلى مكونها ومن وقف بهمته على شيء دون الحق فاته الحق لأنه أعز من أن يرضى معه شريك، ولابد من أن يظهر ذلك في سلوكه، قال ابن عطاء الله: ما استودع في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر، ما استودع في غيب السرائر من معرفة الله ظهر في شهادة الظواهر بالعمل على مقتضى ما هناك، فمن كان غيب سره أتم كان ظاهره أحكم، لأن ظواهر الأمور تدل على حقائق الصدور والأسرة تدل على السريرة، وما خامر القلوب فعلى الوجوه أثره يلوح، وما فيك يظهر على فيك وأدب الظاهر عنوان أدب الباطن، ولو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) ، ووصف المنافقين (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، أي من خلال حديثهم دون أن يصرحوا، يكشف حالهم لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
الشيخ أ. د. أنس جميل طبارة